التغذية الصحية

كواشيوركور Kwashiorkor نوع من سوء التغذية اعراض وتشخيص وطرق علاجه

كواشيوركور Kwashiorkor هو نوع من سوء التغذية يثير القلق في المجتمعات التي تعاني من نقص التغذية، حيث يحدث نتيجة نقص البروتين في النظام الغذائي. يُعتبر هذا الاضطراب الصحي أكثر من مجرد مسألة تغذية؛ فهو يعكس تحديات عميقة تتعلق بالصحة العامة، والاقتصاد، والبيئة.

في هذا المقال، سنتناول الأعراض المميزة لهذا المرض، وكيفية تشخيصه، بالإضافة إلى استعراض أحدث طرق العلاج المتاحة. سنسلط الضوء على أهمية الوعي بكواشيوركور وكيف يمكن للأساليب الغذائية الصحيحة أن تلعب دورًا حاسمًا في الوقاية والعلاج. انضم إلينا في هذا الاستكشاف، حيث نهدف إلى تعزيز الفهم حول هذه الحالة الصحية والحد من تأثيراتها السلبية على الأفراد والمجتمعات.

ماهو كواشيوركور ؟

يعرف كواشيوركور أيضًا باسم “سوء التغذية الوذمي” لارتباطه بالوذمة (احتباس السوائل)، وهو اضطراب غذائي شائع الحدوث في المناطق التي تعاني من المجاعة. وهو شكل من أشكال سوء التغذية ناتج عن نقص البروتين في النظام الغذائي. عادةً ما يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة كواشيوركور من هزال شديد في جميع أجزاء الجسم باستثناء الكاحلين والقدمين والبطن، والتي تتورم بالسوائل.

نادرًا ما يلاحظ كواشيوركور في الولايات المتحدة والدول الأخرى ذات الإمدادات الغذائية الثابتة بشكل عام. وهو أكثر شيوعًا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والدول الأخرى التي يعاني فيها الناس من نقص في إمدادات الغذاء.

يتعافى معظم المصابين بمتلازمة كواشيوركور تمامًا إذا عولجوا مبكرًا. يتضمن العلاج إضافة سعرات حرارية وبروتينات إضافية إلى النظام الغذائي. قد لا ينمو الأطفال المصابون بمتلازمة كواشيوركور أو يتطورون بشكل سليم، وقد يظلون متخلفين عقليًا طوال حياتهم. كما تحدث مضاعفات خطيرة عند تأخير العلاج، بما في ذلك الغيبوبة والصدمة والإعاقات العقلية والجسدية الدائمة. قد يُهدد كواشيوركور الحياة إذا ترك دون علاج، إذ قد يسبب فشلًا عضويًا رئيسيًا، وفي النهاية الوفاة.

ما الذي يسبب الكواشيوركور؟

الكواشيوركور سببه نقص البروتين في النظام الغذائي. كل خلية في جسم الإنسان تحتوي على البروتين، ويحتاج الجسم إلى البروتين لإصلاح الخلايا وصنع خلايا جديدة. يقوم الجسم السليم بتجديد الخلايا باستمرار بهذه الطريقة. كما أن البروتين ضروري بشكل خاص للنمو خلال مرحلة الطفولة وأثناء الحمل. إذا افتقر الجسم إلى البروتين، فإن النمو والوظائف الحيوية الطبيعية تبدأ بالتوقف، وقد يتطور الكواشيوركور.

يظهر الكواشيوركور بشكل شائع في البلدان التي تعاني من نقص أو قلة في إمدادات الغذاء. وغالباً ما يصيب الأطفال والرضع في مناطق إفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا الوسطى. ويحدث نقص الغذاء عادة في هذه الدول أثناء المجاعات الناتجة عن الكوارث الطبيعية مثل الجفاف أو الفيضانات، أو بسبب الاضطرابات السياسية. كما أن نقص المعرفة الغذائية والاعتماد الإقليمي على الأنظمة الغذائية الفقيرة بالبروتين، مثل الأنظمة الغذائية المعتمدة على الذرة الشامية في بعض دول أمريكا الجنوبية، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى الإصابة بهذا المرض.

هذا المرض نادر الحدوث في الدول التي يتمتع معظم سكانها بإمدادات كافية من الغذاء ويستهلكون كميات مناسبة من البروتين. وإذا ظهر الكواشيوركور في الولايات المتحدة مثلاً، فقد يكون علامة على سوء المعاملة أو الإهمال أو اتباع أنظمة غذائية خاطئة، وغالباً ما يلاحظ عند الأطفال أو كبار السن. كما قد يكون علامة على وجود مرض أساسي مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).

أعراض مرض الكواشيوركور

الكواشيوركور من أخطر أمراض سوء التغذية الناتجة عن نقص البروتين، وتظهر أعراضه بشكل واضح على الأطفال خاصة، حيث ينعكس على نموهم وصحتهم العامة. من أبرز الأعراض:

  • تغير لون الشعر والجلد: يصبح الشعر باهتًا أو مائلًا إلى اللون الصدئي مع فقدان لمعانه، بينما يفقد الجلد مرونته ويظهر عليه الجفاف والتشقق.
  • التعب والإرهاق المستمر: نتيجة نقص الطاقة وعدم كفاية البروتين لبناء الجسم.
  • الإسهال المتكرر: مما يزيد من سوء حالة المريض ويفاقم فقدان العناصر الغذائية.
  • فقدان الكتلة العضلية: حيث يضعف الجسم تدريجيًا ويظهر الهزال.
  • تأخر النمو وفقدان الوزن: فيتوقف الطفل عن النمو الطبيعي أو يزداد وزنه ببطء شديد.
  • الوذمة (الانتفاخ): تورم الكاحلين والقدمين والبطن نتيجة تراكم السوائل تحت الجلد، وهو من العلامات المميزة للمرض.
  • ضعف الجهاز المناعي: مما يجعل المصاب أكثر عرضة للإصابة بالعدوى المتكررة والشديدة.
  • التهيج والعصبية: حيث يصبح الطفل سريع الغضب ويبكي كثيرًا.
  • طفح جلدي متقشر: يترك مظهر الجلد باهتًا ومتضررًا.
  • الصدمة (Shock): في المراحل المتقدمة قد يصاب الطفل بانخفاض حاد في ضغط الدم، ما يهدد حياته.

إضافة إلى ذلك، قد يلاحظ على الأطفال المصابين بروز البطن بشكل غير طبيعي، وتساقط الشعر بسهولة، مع فقدان الشهية الشديد. وتشير هذه الأعراض مجتمعة إلى حالة خطيرة تستدعي التدخل الطبي العاجل، إذ إن التأخر في علاج الكواشيوركور قد يؤدي إلى مضاعفات قاتلة.

تشخيص المرض

عند الاشتباه في إصابة المريض بالكواشيوركور، يبدأ الطبيب أولًا بالفحص السريري لملاحظة العلامات المميزة مثل تضخم الكبد (تضخم الكبد hepatomegaly) ووجود تورم أو وذمة في القدمين أو البطن.

بعد ذلك تجرى مجموعة من الفحوصات المخبرية على الدم والبول، بهدف تقييم مستوى البروتين والعناصر الغذائية في الجسم، وكذلك الكشف عن المضاعفات الناتجة عن سوء التغذية. ومن أهم هذه الفحوصات:

  • تحاليل الدم:
    • غازات الدم الشرياني (Arterial blood gas): لقياس توازن الأكسجين وثاني أكسيد الكربون وحموضة الدم.
    • مستوى اليوريا في الدم (BUN): للكشف عن وظائف الكلى والتأثير الناتج عن نقص البروتين.
    • مستوى الكرياتينين (Creatinine): لتقييم وظائف الكلى ومدى حدوث تدهور في الكتلة العضلية.
    • مستوى البوتاسيوم (Potassium levels): للكشف عن أي اضطرابات في الأملاح والسوائل.
    • تعداد الدم الكامل (CBC): لمعرفة ما إذا كان هناك فقر دم أو ضعف في جهاز المناعة.
  • فحوصات البول (Urinalysis): للكشف عن فقدان البروتين عبر البول، أو وجود علامات على قصور الكلى أو العدوى.

إضافةً إلى ذلك، قد يلجأ الطبيب إلى تقييم شامل يشمل قياس الوزن والطول ومحيط الذراع العلوي عند الأطفال، للتأكد من وجود تأخر في النمو أو فقدان كتلة العضلات، وهي علامات شائعة مرتبطة بالكواشيوركور.

التشخيص المبكر والدقيق يعتبر خطوة أساسية، لأنه يحدد شدة الحالة ويساعد على وضع خطة علاج مناسبة قبل أن تتطور المضاعفات الخطيرة.

طرق علاج المرض

يعد العلاج المبكر للكواشيوركور أساسيًا لإنقاذ حياة المريض وتحسين حالته الصحية. ويعتمد العلاج على تعويض نقص البروتين والسعرات الحرارية بشكل تدريجي ومدروس، مع التركيز على إعادة بناء أجهزة الجسم التي تضررت نتيجة سوء التغذية.

خطوات العلاج الأساسية:

  • تزويد الجسم بالسعرات الحرارية أولًا: يبدأ المريض بالحصول على الطاقة من الكربوهيدرات والسكريات والدهون، وذلك لتوفير الوقود الأساسي للجسم.
  • إدخال البروتين تدريجيًا: بعد استقرار مستوى الطاقة، تتم إضافة الأطعمة الغنية بالبروتين مثل الحليب، البيض، البقوليات، واللحوم بكميات مدروسة. إدخال البروتين بشكل تدريجي مهم جدًا لتجنب صدمة غذائية للجسم الذي حُرم من التغذية لفترة طويلة.
  • المكملات الغذائية: يوصي الطبيب باستخدام مكملات الفيتامينات والمعادن لتعويض النقص، خصوصًا:
    • فيتامين أ
    • الزنك
    • الحديد (مع الحذر من إعطائه في البداية إذا كان هناك عدوى نشطة)
    • حمض الفوليك
  • معالجة المضاعفات: غالبًا ما يحتاج المريض إلى علاج للعدوى، إما بالمضادات الحيوية أو مضادات الطفيليات، لأن جهازه المناعي يكون ضعيفًا جدًا.
  • العناية الطبية المستمرة: في الحالات المتقدمة، قد يتطلب العلاج سوائل وريدية أو رعاية في المستشفى لمتابعة التوازن الغذائي، السوائل، والأملاح.

إذا بدأ العلاج مبكرًا، يمكن لمعظم الأطفال التعافي بشكل جيد. أما في الحالات المتأخرة، فقد يترك المرض مضاعفات طويلة الأمد على النمو الجسدي والذهني.

مضاعفات مرض الكواشيوركور و الوقاية منه

رغم توفر العلاج، فإن الكواشيوركور قد يترك آثارًا طويلة الأمد، خاصة إذا لم يتم التدخل في الوقت المناسب.

المضاعفات المحتملة:

  • حتى بعد العلاج، قد لا يتمكن الطفل من الوصول إلى كامل إمكاناته في النمو والطول.
  • إذا تأخر العلاج، قد يعاني المريض من إعاقات جسدية وعقلية دائمة.
  • في الحالات غير المعالجة، يمكن أن يؤدي المرض إلى الصدمة، الغيبوبة، أو الوفاة.

الوقاية:

يمكن منع الكواشيوركور من خلال اتباع نظام غذائي متوازن يضمن الحصول على ما يكفي من السعرات الحرارية والأطعمة الغنية بالبروتين.
توصيات معهد الطب (Institute of Medicine):

  • البالغون: يجب أن تأتي 10–35% من السعرات الحرارية اليومية من البروتين.
  • الأطفال الصغار: 5–20% من السعرات الحرارية اليومية من البروتين.
  • الأطفال الأكبر سنًا والمراهقون: 10–30% من السعرات الحرارية اليومية من البروتين.

مصادر البروتين المهمة:

  • المأكولات البحرية
  • البيض
  • اللحوم الخالية من الدهون
  • البقوليات (فاصوليا، عدس، بازلاء)
  • المكسرات والبذور

الفئات الأكثر عرضة:

  • الأطفال في بيئات فقيرة أو الذين يتعرضون للإهمال.
  • كبار السن في حالات سوء الرعاية أو الحرمان الغذائي.

من أبرز الأعراض التي قد تدل على المرض: تورم الكاحلين والقدمين والبطن. وفي بعض الحالات المرتبطة بسوء المعاملة، قد ترافق هذه الأعراض علامات أخرى مثل الكدمات أو كسور العظام.

الخلاصة

في ختام حديثنا عن كواشيوركور كأحد أنواع سوء التغذية، نجد أن الوعي بهذا المرض يمثل خطوة حيوية نحو تحسين الصحة العامة، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة. لقد استعرضنا في هذا المقال أسباب الإصابة بكواشيوركور، وعلاماته السريرية، وتأثيراته على الصحة الجسدية والنفسية.

إن فهمنا العميق لهذا النوع من سوء التغذية يساعدنا على تعزيز جهود التوعية والوقاية، خاصة في المجتمعات التي تعاني من نقص الموارد الغذائية. كما تبرز أهمية توفير تغذية متوازنة، تشمل البروتينات والفيتامينات، لضمان صحة الأطفال والمراهقين.

دعونا نأخذ هذه المعلومات كمحفز للعمل، ونسعى جميعًا إلى رفع مستوى الوعي حول كواشيوركور وأشكال سوء التغذية الأخرى. فكل خطوة نحو تحسين التغذية هي خطوة نحو مستقبل صحي أكثر إشراقًا. لنلتزم جميعًا بدعم الجهود الرامية إلى مكافحة سوء التغذية، ولنساهم في بناء مجتمع صحي وقوي.

د. مرتضى حليم

الدكتور مرتضى حليم هو أحد أبرز الخبراء الطبيين في موقع صحة لاند، ويتميز بجهوده الحثيثة في البحث والاطلاع على أحدث التطورات في المجال الطبي العالمي، ثم نقلها وتقديمها بطريقة واضحة وموثوقة ضمن المحتوى الطبي العربي. يعمل د. حليم على تبسيط المعلومات الطبية وتحديثها لضمان وصول المعرفة الدقيقة إلى القراء والمهتمين بالصحة. بفضل سعيه الدائم لتطوير المحتوى الطبي العربي، يُعد د. مرتضى حليم أحد المساهمين الفاعلين في رفع مستوى الوعي الصحي عبر الإنترنت.
زر الذهاب إلى الأعلى